السبت، 30 يونيو 2012

أقفال جسر “العشاق” بكولونيا .. أقفال ابتلع النهر مفاتيحها

.
أقفال جسر “العشاق” بكولونيا .. أقفال ابتلع النهر مفاتيحها
.
.
أجد نفسي قد صبرت بما فيه الكفاية عن الحديث عن أقفال جسر كولونيا، وقد تناولها من هو أبعد مني بكثير وأنا الجارة اللصيقة قد تقاعس قلمها عن مشهد هو في محل غدوي ورواحي الشبه يومي، كيف لا أتناول ظاهرة من ظواهر المدينة الألمانية التي حملت إسمها إلى مختلف القارات، انطلقت محتشمة متعثرة حيث حاولت في بادئ الأمر المؤسسة القائمة على الجسر منعها!، لكن الأمر خرج عن السيطرة وما لبث أن تحول من حلات معزولة إلى ظاهرة تستقطب الملايين من الذين أتوا لشبك أقفالهم أو السياح الذين ساقتهم الأخبار المتواترة إلى هذا المكان لإشباع فضولهم أو ربما أيضا لإلقاء أحمالهم.
.

وبرغم أن الفكرة وقع اعتمادها في العديد من مدن العالم الأخرى، وأنها وافدة من مدينة روما الإيطالية منشأها الأصلي، إلا أنّ أهل مدينة “كولونيا” نجحوا في احتضانها وخرجوا بها من إطار التجربة العابرة إلى حالة راسخة وتقليد من تقاليد المدينة العتيقة.
هي أقفال كتبوا عليها أسمائهم ورموا بمفاتيحها في النهر في حركة إصرار على أن العلاقة التي بينهم دائمة تعد بمثابة القرار الحاسم والغير قابل للاستئناف، فبعد أن أحكموا الإغلاق وابتلع النهر المفاتيح يصبح مجرد التفكير في فتحها من جديد شكل من أشكال العبث.
صحيح أن هالة الأقفال المتزاحمة والمترامية غلبت عليها علاقة الجنسين، وأن المكان غلب عليه إسم “جسر العشاق”، لكن نهر “الراين” العملاق الذي يحتضن الجسر وأقفاله وسّع من هذا المفهوم وعممه ليخرج به من احتكار الحب الثنائي للحب الجماعي ومن ارتباط أنثى بذكر لارتباط مجموعات وثقافات وأعراق ببعضها البعض بل ارتباط شعب بأرضه.
.
.
لا أحد ينكر أن الاقفال الحمراء والبنفسجية الأنيقة المختارة بدقة حالما تلمحها تُحيلك على نوع خاص من العواطف، وليس هناك بدا من الإعتراف بأن سيطرة الجنسين مطلقة على هذا المكان التي تفوح منه رائحة القصص الناعمة والدامية، إنما ونحن نحاول قراءة الظاهرة لا بأس من أن نرتشف منها ما يفيدنا من عواطف وأحاسيس نوظفها توظيفا سليما بعيدا عن إسقاطات غرام “قيس وليلى” و”روميو” و”جولييت” و”جميل وبثينة”، في محاولة منا لتعديل الكفة!. فقد سطى الغرام في ثوبه الخاص على الحب في ثوبه العام فاحتله، والتهم نصيب الأمومة والأخوة والصداقة والمعزة والمودة والألفة وغيرها من المعاني السامية التي ظلمت وانحصرت وتبخرت في دنيا العشاق.
هي أقفال غير الأقفال، منها تلك الأقفال التي ليس لها معنى ولا تحمل في طياتها أي قيمة، ومنها أقفال مفاتيحها جاهزة على الدوام يتهددها الفتح في كل حين، ومنها أقفال تشبه اقفال جسر العشاق أغلقت واتلفت مفاتيحها، لكن ليت شعري لِما ننسى أننا أمة الحب السامي والعواطف اليافعة وأن علاقاتنا خلقت متينة متشابكة وأن أقفالنا بعثت متمكنة ثابتة هكذا دون مفاتيح!.
.

.
.
تم النشر على صفحات موقع نبراس الشباب:
http://www.nibraschabab.com/?p=11109
.
.

هناك 7 تعليقات:

  1. chahida بتاريخ 2 يوليو, 2012, 20:27

    ماشاء الله عين صحفية رامقة تأبى ان تمر على الحدث او المكان دون ان تسجله، والظاهرة كنا نظن انها حكرا على مجتمعاتنا المتخلفة لكن يبدو ان للتخلف وجوع واقنعة داخل البلدان المتقدمة ايضا، وفقك الله زميلتي العزيزة

    ردحذف
  2. Khaoula بتاريخ 2 يوليو, 2012, 23:22

    Mashaalah khalati, tanawalti lmawdou3a binadratiki lkhassa wa lfarida

    this is the first time I hear about this, and it sounds cool, but I am sure, if I had read it somewhere else with a different perspective I wouldn’t have liked it that much
    I loved your article and I hope to write my name and yours in a padlock and hang it there

    ردحذف
  3. نورت الموضوع بمرورك وتعليقك الرائعين أستاذة شهيدة لخواجة،،، وأظن أن الإنسان والعواطف والآلام واحدة لاتفرق بين بلد متخلف أو متقدم ولا بين غني أو فقير...

    تقبلي تحياتي زميلتي الغالية

    ردحذف
  4. مرحبا بك خولتي العزيزة،،، أسعدني مرورك من هنا، واسعدني أكثر إعجابك بالموضوع...
    أشكر لك كلماتك الرقيقة وأحاسيسك الرائعة، وإن شاء الله عن زيارتك لنا بكولونيا نشبك قفلا به أسماؤنا:)..

    دمت بود عزيزتي

    ردحذف

  5. ميرنا مصطفى بتاريخ 17 يوليو, 2012, 14:46

    معلومات قيمة وجديدة قرأتها اليوم في هذا الموضوع الرائع:)… مفاهيم راقية وأسلوب أرقى… أشكر الكاتبة والإعلامية فوزية الجوهري على هذه اللمسات المتألقة والمعاني السامية…. وفي انتظار جديدك بشوق

    ردحذف

  6. tahsin بتاريخ 5 أغسطس, 2012, 15:36

    شیء جمیل لقد رایت نفس الشیء فی كوریا فی العاصمه‌ سیئول ببرج السیئول

    ردحذف

  7. ميرنا مصطفى بتاريخ 17 يوليو, 2012, 14:46

    معلومات قيمة وجديدة قرأتها اليوم في هذا الموضوع الرائع:)… مفاهيم راقية وأسلوب أرقى… أشكر الكاتبة والإعلامية فوزية الجوهري على هذه اللمسات المتألقة والمعاني السامية…. وفي انتظار جديدك بشوق

    ردحذف