الاثنين، 31 أكتوبر 2016

أبواق معاصرة

.
أبواق معاصرة
.

 لعب „البوق“ أو مكبر الصوت دورا مهما منذ اكتشاف نواته الأولى مرورا بمختلف مراحل تطوره، حيث كان وسيلة تبليغ وتواصل أوسع من الوسائل التقليدية والبدائية، مرَّر الرسائل على نطاق واسع وقصر المسافات وقلص من الوقت المبدد الذي كان يصرف لحساب التواصل المباشر التقليدي، حتى قيل، أن مكبرات الصوت تصلح لكل شيء، إلاّ „للسراق“ (اللص) والعشاق، لأن هؤلاء يحتاجون إلى مخفضات الصوت وليس إلى مكبراته!.

ولازالت الأبواق تُزين المنارات وتتجمل بها الصوامع. وقد استعملها التجار للتسويق، والمؤذن للدعوة للصلاة، وأهل الاحتفالات للتعبير عن سعادتهم وفرحهم. واستعملها المتظاهرون في إيصال أصواتهم والمحتجّون في تبليغ مطالبهم، كما استعملها الباعة وانتعشت منها وسائل الدعاية.. كل يريد ترويج بضاعته والتعبير عن تطلعاته وطرح مشاكله بشكل مباشر وبدون استعمال مساحيق الخداع.
أما اليوم فنعيش نوعا آخر من الأبواق، إنها أبواق التزلف والخنوع، أبواق سخرت نفسها لأنظمة البطش وحكام الجور، تجدها كالطفيليات ترتع لزرع الفتن ودعم أركان الظلم والعبث بكنه الحقيقة، أبواق تختلف باختلاف البضاعة والطلب، أبواق لم تخل منها القنوات والإذاعات ومنابر المساجد وكراسي البرلمانات الصورية ، تعج بها الوزارات ومختلف المؤسسات، أبواق تعمل بخبث لذاتها ولغيرها، تبحث عن منافعة رخيصة مقابل التسويق للفساد والقهر والظلم، أبواق لا تقف أمامها الأخلاق ولا الأصول ولا تعرف الشفقة أمام مصالحها البخسة ومصالح موكليها المشينة، مستعدة للإيذاء بل مستعدة للقتل مقابل منافع عابرة، لا تضع اعتبارا لقيمة الانسان حين شطبت من قاموسها المثل والقيم والثوابت.
 أبواق لا تعترف بالجمال إلا في الغرائز ولا تعترف بالحرمة الجسدية إلا في حرمة جسدها، ولا تُحسِن التنازل إلا على الكرامة، ولا ترتاح إلا حين تشرع في عد مكاسبها.
أبواق معروضة للبيع على من يدفع أكثر! وبقدر العطاء ترتفع الأصوات وتصبح الأبواق أكثر صخبا، جاهزة للصراخ مادام المستنقع يدفع بسخاء..أبواق تجردت من كل مليح وتسربلت بكل قبيح..
إننا نتحدث عن الأبواق التي أسهمت بعزيمة في تثبيت أوتاد الذل، تلك التي وجدناها أمامنا حين وُلِدنا، وتلك التي تُراودنا على الخنوع  لولي نعمتها، ذاك  الذي يجحد بنعمة الله ويعيث في ملك الله ويسفك الدم الذي حرم الله.
 أبواق تحن إلى العبودية كما تحن الأم إلى فلذة كبدها، أبواق غير موصولة بالكهرباء ولا تشتغل بالبطريات، بل موصولة بخزانات الخيانة ومشدودة إلى حاويات الرذيلة …

أنتم الذين أعني! نعم أنتم !! يا من تنتعشون في النفايات وتقتلكم حقول الورد تماما كما الجعلان. 
.
نشر على صفحات موقع جريدة جنتي:
http://www.jannatimag.com/أبواق-معاصرة-بقلم-د-فوزية-الجوهري
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق