السبت، 10 سبتمبر 2016

ألمانيا وتجاذبات التطرف

.
ألمانيا وتجاذبات التطرف الداخلي والخارجي
.


.
تعرف الساحة الألمانية عدة نشاطات اجتماعية وفنية وسياسية، والنشاطات السياسية هي التي تطغو هذه الأيام، فمن انشغال السياسيين والمجتمع الألماني بأسره باستقبال اللاجئين، الذين تجاوز عددهم المليون شخصا مع بداية سنة 2016، حيث انقسم الجو العام في ألمانيا بين مؤيد ورافض لسياسة الاستقبال وسياسة حكومة ميركل بصفة عامة، وكان السياسيون من  أكثر الرافضين بقوة لهذا الأمر، يليهم الإعلام والذي يتلون تلوُّن "السحالي". الشيء الذي أدى إلى صعود حزب الـ Afd في ولاية مكلنبورغ فوربمرن، وهو الحزب اليميني الذي يرى في وجود المسلمين خطر على ألمانيا بل واوروبا بأكملها، هذا الحزب احتل المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي الاشتراكي SPD ، ليحتل الحزب الحاكم اليوم CDU الحزب الديمقراطي المسيحي المرتبة الثالثة، ويجدر بالذكر أن هذه الولاية التي لا يتعدى الأجانب بها 4%.
أمام هذه الأحداث وأمام التخوف من تهديد أمن المجتمع الألماني، يحاول السياسيون صبّ جهودهم في البحث عن أسباب القضاء على التطرف أو ما يسمونه ب " النيو السلفية"Neosalamismus "السلفية الجديدة"، حيث وصل عدد الذين غادروا منهم أرض ألمانيا باتجاه سوريا للجهاد، 700 ألماني معظمهم من الشباب ومن أصول ألمانية!. (تصريح عن البروفيسور نيومان).
عدد لا يوحي بالخطر، فلماذا كل هذه الجهود والأبحاث والفعاليات؟ هذا ما تطرقت إليه الندوة التي نظمها حزب الخضر بمقر برلمان شمال الراين وستفاليا بمدينة دوسلدورف حول تحديات "النيو- سلفية"  يومه الجمعة 9 سبتمبر 2016، بمشاركة خبراء ومسؤولي المؤسسات المختلفة. 




يقول الباحثون في مجال التطرف ومنهم البروفيسور نويمان Neumann، أن عدد "الجهاديين" داخل سوريا قد وصل إلى 10000 مجاهد وهذا عدد ليس بالهين، والمشكل لا يكمن في العدد مبدئيا، ولكن في ما إذا انتهت الأزمة في سوريا، فما هي قبلة هؤلاء؟
وما هي الحلول الوقائية للحد من نزعات التطرف داخل ألمانيا؟،، هذا كان محور الندوة وورشات العمل التي شهدها برلمان شمال الراين وستفاليا بمدينة دوسلدورف، وقد ابتدأت الندوة بمداخلة لرئيس حزب الخضر السيد مرداد مصطفيزاده Mehrdad Mostofizadeh الذي أكد على أهمية الحوار والتواصل مع كل أطراف المجتمع، رافضا الإقصاء وما يؤدي إليه، " نحن لا نحتاج إلى الإقصاء، وإنما نحتاج إلى الحوار". 
ومن التأكيد على الحوار ينتقل البروفيسور بيتر نويمان Prof. Dr. Peter Neumann للحديث عن الجهاديين والتطرف، حيث تطرق في كلامه إلى وجود مشاكل مختلفة في التعامل مع الموضوع ومع ردة الفعل عند وقوع أي اعتداء إرهابي، فالسياسيين يتخبطون بين هذا وذاك، مختارين الصمت كون الأمر يتعلق بالأمن والأمن الداخلي، وهاهم اليوم -حزب الخضر- يبادر للحديث عن هذا الموضوع الحساس. من ناحية أخرى تطرق نويمان إلى السلفية الجديدة أو ما يسمى بـ نيو سللفية، حيث أنها أصبحت أوروبية بامتياز، ما يعني أن ممارسيها اليوم هم شباب من ألمانيا، بعدما كانوا يأتون من الدول العربية قبل خمسة عشر سنة. كما أن هذا التيار مر بمراحل عدة منها بل واتخذت صفات حديثة كـ سِمة الديمقراطية وبعض الصفات الأوروبية. من جهة أخرى تم تصحيح مفهوم أن الإتجاه للتطرف لا علاقة له بالمستوى الاجتماعي للفرد، إلا أن هذه الفرضية كانت خاطئة، فبفحصٍ لأوضاع المتطرفين أو الجهاديين الألمان، تبين أن الوضع الاجتماعي يلعب الدور الكبير في تغير هؤلاء، فقد كان مِن بين الذين سافروا للجهاد في سوريا 25% من عاطلين على العمل، ومنهم اثنين فقط قد أنهوا دراستهم.

أما الدكتور أندرياس زيك Dr. Andreas Zick فقد تطرق لنقطة حساسة تتعلق بالتعامل داخل أفراد المجموعات الـ "نيو سلفية"، يقول بأن الشباب وجدوا المعنى الحقيقي للانتماء بعدما كانوا يعانون في محيطهم من التهميش والعنصرية، وقسّم مفهوم الانتماء إلى نقاط منها: تقدير الذات، الثقة، التفهم... إلخ
وأضاف "أننا لا نستطيع إعطاءهم هذا -حاليا-". 
وبجانب الباحثين والدارسين في مجال التطرف، تأتي المدرسة ودورها والتي كانت ممثلة في السيدة سيلفيا لورمان Sylvia Löhrmann وهي وزيرة التربية والتعليم والتدريب ونائبة رئيس وزراء شمال الراين وستفاليا، لتضيف دور المدرسة في الاهتمام بالتلاميذ ليس فقط ما يتعلق بالتعليم والتربية وإنما إيجاد إمكانية الاهتمام بهم عند تعرضهم لأي مشاكل أو ضغوطات مدرسية أو اجتماعية وأسرية وتأسيس ما سُمِّي بـ " مجلد الطوارئ" لمتابعة ومراعاة التلاميذ "المشتبه فيها"، وقد أنشِئ هذا الملف بعد أحداث القتل العشوائي Amok، التي شهدتها أمريكا ثم أوروبا ومنها ألمانيا.


 وأخيرا توجت الندوة بورشات عمل تمحورت حول أربع نقاط، نذكر منها اثنين:
١ - دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإسلامية والمدارس الخاصة في محاربة التطرف والتخفيف منه، والتي أثبت دورها داخل المجتمع، سواء برعاية الشباب ومحاولة احتوائهم من خلال فعاليات رياضية وثقافية وغيرها، أو بتكوين الأئمة ابتداء من اللغة الألمانية مرورا بفهم الواقع الألماني.
٢ - المؤسسات الشبابية الإسلامية والعمل على محاربة التطرف.
وهكذا انتهت الندوة، لكن يا ترى هل انتهى معها المشكل أو هل وضع حجر الأساس للعمل الجدي لمحاربة التطرف بكل أنواعه وألوانه، وليس لونا واحدا؟
وهل هناك خطر حقيقي من هذا التيار يهدد ألمانيا وأمنها؟..
أسئلة كثيرة تحتاج تسليط الضوء عليها ومناقشتها للوصول إلى حلول ناجعة، تبعث بتحمل مسؤولية كل مواطن في الدفاع عن بلده.

..
د. فوزية الجوهري
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق