الثلاثاء، 20 يناير 2015

لغة الغضب

                                                            .    
                             لغـــــة الغـضـب
.
.


تعددت اللغات وتعددت معها المفاهيم،، قرأنا عن لغة الصمت، ولغة العين، ولغة الجسد، ولغة الحب..ولم نقرأ بل لم نتمعن في لغة الغضب، الغضب الذي يجتاح المرء عند الظلم، عند القهر، عند الفشل، عند الاحباط، عند الغدر وعند الخيبة ..



عديدة هي مسببات الغضب بشكل يصعب حصرها، وتتشعب اكثر حين نعلم أن مقدمات وأسباب الغضب ليست ثابتة لدى الجميع، وأن تركيبة الناس وشخصياتهم وأمزجتهم تُعد من أهم العوامل التي تساهم في توليد حالة الغضب. فقد نجد شخصية تستقبل الفعل وتقوم بتحويله إلى حالة غضب، وأخرى تمتصه، وأخرى تأخذه عنوانا للتحدي، ورابعة تترجم الفعل من ضيم أو عدوان أو تعدّي أو صدمة أو خيبة، إلى انهيار أو بكاء أو ربما استغرقت في نوبة عميقة من الحزن والالم.



في كل الحالات يبقى الغضب ذلك المنتوج الرديء الغير مرحب به ، لكنه يرافقنا رغما عنّا، يجلبه الآخرون إلينا من خلال تصرفاتهم وسلوكاتهم وأقوالهم ، فتواجهه طبائعنا وسلوكاتنا إما بالسلب أو بالإيجاب.



للغضب لغة فريدة لا تشبه اللغات، لغة غير خاضعة لضوابط ولا حدود، وأخطر ما في هذه اللغة عملية الترجمة التي قد تصل إلى القتل. ربما غضب الواحد فاسترجع ومضى، وربما غضب فاستطال وقتل!



تلك لغة تمردت على جميع الضوابط وسمحت لنفسها باستعمال ضوابط لغة الصم البكم، وتوسعت فسمحت لنفسها باستعمال لغة الرصاص والسلاح الأبيض. لغة مترامية الأطراف، من „سامحك الله" إلى „ستكون نهايتك على يدي“.



بالرغم من كل هذا، فليس هناك مبرر منطقي يقبل فتح باب قبول أي تصرف ينتج عن الغضب، فكل واحد مسؤول عما يترتب عن فعله، وبإمكانه محاولة السيطرة عليه، وإتقان التعامل مع هذه اللغة التي إن أطلِق لها العنان أتت على الأخضر واليابس.



فالغضب المفرط الذي يخرج عن السيطرة يصبح سلخانة كبيرة، يصلب فيها الحنين وتذبح فيها الشفقة وينتحر فيها الخجل، وتهشم فيها الأحلام. حين نمر على مقبرة الغضب سنستنشق روائح جميلة هي بصدد الاحتراق، روائح تشبه رائحة الأمل والود والشفقة والرحمة والابتسامة، موكب هائل لاشيائنا الجميلة ، أو تلك التي كانت جميلة.



كل باقات الورود التي وصلتنا حبا ومجاملة تلفظ هاهنا أنفاسها. هنا في أطراف المقبرة بقية باقية من فرحة كانت تحاول الفرار من محرقة الغضب، لكنها أسلمت الروح على أطراف المجزرة.

.
تم نشر المقال على صفحات موقع الشاهد:
http://www.achahed.com/لغة-الغضب.html
.
.
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق