الخميس، 18 فبراير 2010

وغـــــــــــارت الدمـــــــــــــــــوع

.
.
وغـــــــــــارت الدمـــــــــــــــــوع
.
.

لما كنا قد تعرضنا في سابق ما كتبنا إلى الإبتسامة وأخواتها فقد تناهى إلى مسامع الدموع حيثيات ما وقع فتداعين للقاء على غرار الإبتسامات .

وكان لهن ما أردنا وطفقن يقلن : نحن الدموع لسنا كما يظننا معظم الناس مجرّد عنوانٍ لما هو مُؤلم وحزين، نُعثنا بأننا علامة على الضعف يتعوذ الناس منا وكأننا سبب البلاء ..لقد تعامل الخلق مع وجه من وجوهنا وغمطونا في أوجه كثيرة غيره فقد نكون سببا في التنفيس حين تنتابنا غمة وحين تسكننا الهموم وتغامرنا فتسيح في شكل دمعة على الخد بدل ان تُسَبّب داءً في القلب ، بهذا نكون مَعالِم أَلمٍ أو معالمَ فرح وسرور.

.
إنّ معظمنا لهم واجبات سامية ومقاصد هادفة ، حتى لو بدا الأمر في أول وهلة موجعا أو قاسيا فلربما يكون وراء هذا "الألم الظاهر" حكمة يريد بها الخالق تفريج كربة أو ذهاب غم أوبعث إحساس جميل وراقي يُضفي وقا را على صاحبه أو تقربا إلى خالقه أوسعادة له ولمن حوله...
.
هيا بنا نسحب الستار ونلج برفق عالم الإنفعالات هذا ونطرق ثم نستأذن على كوكبة من الدموع نسبر أغوارها ونعرف كنهها...

·

دمعة البراءة: واسمها يدل عن عنوانها، لوحة جميلة تُرسم على خد طفل في لحظة عتاب لأب طال غيابه أو أمّ جفت أو إنشغلت أو نهرت...
.
أما حينما يتلاقا الأحبة بعد غياب طويل فلن تجد دمعة تُذرَف أجمل من دمعة الفرح، إنها الرسالة الأبلغ والأقدر على الووصول بالمشاعر إلى اسمى درجاتها، أب يزف كريمته ، أم تستقبل بكرها بعد طول غياب وغير هذا من وشائج الفرح والغبطة..
.
· وهذه دمعة الندم ومعانيها بليغة وكثيرة، فما أجمل أن يعبر الإنسان عن خطئه تجاه نفسه أو تجاه الآخرين بدمعة يرسلها رسالة اعتذارا إلى من يحبهم حتى ولو كانت نفسه، ويقول فيها أنني آسف على ما بدر مني، وأعِدُكم أنني لن أجرح خاطركم بمثلما فعلت بعد اليوم.
.
· ها قد شارفنا على دمعة التوبة وهي ذات رحم مع الندم، يختلفان فقط في أن الثانية أكثر تركيزا على الجانب الروحي للإنسان وبها تتحسن علاقته مع خالقه ومولاه. وأنها خطوة فاعلة للتغيير، فلا تنفع توبة بدون عمل يترتب عليها. فهذه الدمعة حين تساهم في دفعك نحو الأنقى والأطهر.
.
· دمعة القهر إنها الرفيق الدائم الازلي لجحافل المظلومين منذ هابيل وقابيل إلى يوم الناس هذا إنها تنبع من الإحساس بالعجز عن رد الفعل وعدم القدرة على دفع الأذى، وكم هي متزاحمة على أبواب عصرنا الحالي .
.
· دمعة الرضا، من سعادة المرء أحيانا بما حباه الله من فضل وخير أو رزق تتغير ابتسامته إلى دمعة تسيل على وجنتيه ترسم أجمل صورة على الرضا..
.
· دمعة الخشوع: وما أعظم عين دمعت من خشية الله، تحمي صاحبها من النار، وقد بين قدرها ما رواه الترمذي عن سيد الخلق محمد صلى الله وسلم قائلا: "عينان لا تمسهما النار عين بكت في جوف الليل من خشية الله ‏,‏ وعين باتت تحرس في سبيل الله تعالى.‏ ‏ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين ‏ ‏وأثرين ‏ ‏قطرة من دموع في خشية الله....".
.
· دمعة الحزن، و منها دموع الألم ودموع الحسرة ودموع الفراق إلى آخره مما يسبب الحزن ويُكدّر صفوة المزاج ويروّع هدوء البال، وهنا استأذنت دمعة الحزن لتوجيه كلمة لبني البشر، فتقول حاول أيها الإنسان البعد عن الحزن والألم والجأ دائما إلى الخالق وإلى الدعاء وسلم أمورك كلها لله، و ضع همومك ومشاكلك بين يديه تعالى فهو القادر على حلها.، واعلم أن تأثيري عليك أكبر من مجرد دمعة تُذرف وإنما تأثيري يصل حتى إلى الأعضاء، وقصة سيدنا يعقوب وما تعرضت له عيناه من جراء حزنه على فراق يوسف عليه السلام شاهد عليها قول المولى: {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}. لكني أبقى في كثير من الأحيان وسيلة للتخفيف عما تعانيه أيها الإنسان، وبديلا عن كتم الحزن الذي يؤدي بك إلى مشاكل عويصة جسدية ونفسية.
.
· الدمعة الصادقة: الصدق في كل الأمور رائع، سواء كان في القول أو الفعل في الإبتسامة أو في الدمعة. وتندرج تحت هذه الدمعة دمعة الوفاء ودمعة التأمل...
.

· الدمعة الفياضة : ولم أجد أجمل من هذا الحديث الشريف للبخاري للتعرف على روعة هذه الدمعة وثوابها، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله :الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق ، أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".
.
· وهناك دموع يصلح أن نلقبها بدموع الطفولة، وهي الدموع التي يذرفها الأطفال للتعبير عن أي شيء يحتاجون اجتنابه من جوع أو عطش أو ألم أو نعاس..وعادة ما يكون من قبل الأطفال الذين لم يبلغوا بعد السنتين. لكن هل فكرتم يوما في الحكمة من وراء بكاء الأطفال يقول ابن القيم رحمه الله:
" في أدمغة الاطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثا عظيمة فالبكاء يسيل ذلك ويحدره من أدمغتهم فتقوى ادمغتهم وتصح وأيضا فإن البكاء يوسع عليه مجاري النفس ويفتح العروق ويقوى الأعصاب وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه ". مفتاح دار السعادة
.
· دمعة الحنين: اسم بسيط في حروفه لكنه كبير في معناه، يضم إحساسا مرهفا فيهمس للعين لتسكب دموعا لا تعرف لها عنوانا إلا أنها عواصف لمشاعر فاض بها القلب.
.
· دمعة الوداع: ما أصعبه من إحساس إذا كنت ستفارق من تحبه إلى لقاء قريب في هذه الدنيا، وما أقساه من شعور إذا كنت تفارق الغوالي مودعهم من هذه الدنيا. دمعة لا تُحسَد عن دورها! كلها مشاعر فياضة وبراكين من الشجن والسمَد!.
..
.
إذن كما رأينا منَا مَن تحمل في طياتنا ما يختلج المرء من مشاعر حزينة ومؤلمة، ومنا من تنهمر كالبركان للتعبير عن اشياء جسام ومنا من أُوكل بها أحاسيس البهجة والسرور..
.
من هذا يتضح أن الدموع في كثير من مواضعها هي تعبير عن عاطفة مكنونة فياضة، ينصح بها الطب الحديث، ووصانا بها نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عند قراءة القرآن قائلا: " يا أيها الناس ! ابكوا فإن لم تبكوا؛ فتباكوا..".
.

لكن ما بال الخلف جفت عيونهم فحبست ماءها عن القلوب
وكانت عيون سلفهم مدرارة فأينعت قلوبهم وارتوت أرواحهم
،
.
فإن كان لزاما علينا ان نزيح الدموع ما أمكننا وما وجدنا لها بديلا يجزي عنها فأنه يجب علينا ان نجلب ونستدر ونستجدي دمعة من خشية الله فبقدر غزارتها وصدقها بقدر ما يتجذر يقيننا ورجاؤنا في رحمة الله...
..
.

والدموع هي علامة على:

صدق المشاعر
رقة القلوب وصفائها
القرب من الله
منتهى الإخلاص

..
.
فسبحان الذي جعل لكل شيء آية..
.

وسبحان الذي جعل لكل عضو رسالة..
.

وسبحان الذي جعل الشفاه موطن الابتسامة...
.

والعين موطن الدمعة..


.
.وكلاهما يعبر عن إحساس عميق! رغم اختلاف طريقتها في التعبير عن ذلك.
..
.ولما سمعت الابتسامات عما دار في لقاء الدموع تعجبت وقالت: سبحان الخالق البارئ! لم نكن نعلم من ذي قبل أن الدموع تكمّل الابتسامات، فكلانا يحاول الوصول إلى القلوب لإسعادها سواء بدمعة أو بابتسامة!...
.

كيف لا!
.
وها هي الدموع تَبعَث أحيانا بأجمل الابتسامات..

وقد قيل:

كل دمعة لها نهاية .. ونهاية أي دمعة بسمة ..
.

ولكل بسمة نهاية .. ونهاية البسمة دمعة ! ..

.

ولحن الحياة بداية ونهاية ،، بسمة ودمعة ،، فلا تفرح كثيرا ،، ولا تحزن كثيرا

.

فإذا أصابك أحدهما فنصيبك من الآخر آت مع صفحات القدر.!
.
.

فوزية محمد

.
تم نشرها بتاريخ 01-11-2009
.
على شبكة الحوار نت الإعلامية
.

هناك 16 تعليقًا:

  1. منتهى عبد العزيز 01-11-2009 13:30:39


    بارك الله فيك أختي الغالية جداً على قلبي ( فوزية ) و جزاك الله ألف خير بكل حرف سطره قلمك الصادق ، و إذ بي أنسب الصدق لقلمك الرائع فدليل ذلك أن دموعي انهمرت بينما أنا أقرأ سطورك . فقد وضعت يدك على الجرح - كما نقولها بالعامية - فكما أن الإنسان كتلة من عواطف مختلفة لكنها متمازجة في بنية متجانسة ، كذلك للدموع أنواع و هذا ما قد فصلت فيه بحكمة و تأثير بالغ في القارئ.
    ننتظر المزيد من إبداعاتك التي تنفذ إلى قلوبنا بسلاسة .
    تحياتي الخالصة لك

    ردحذف
  2. المنجي الفطناسي 01-11-2009 14:12:00


    ما أروع مقالك ياأخت فوزية أحسنت وأحسن الله إليك ودام قلمك السيال ذخرا لخدمة الإسلام وأهله
    أفكار نوعية وتحاليل متطورة ومعاني سامية نحن في أمس الحاجة إليها ، فلا تبخلي علينا بعطائك الراقي وزيدينا زادك الله من زاده.
    أضيف إلى ما تفضلت به أختي الكريمة دمعتان وهما دمعة الفرح عندما تصيب الإنسان سراء ، ودمعة الحسرة على تفريط كثير من العباد في جنب الله.

    ردحذف
  3. مي سراج 01-11-2009 15:20:50


    بارك الله فيك يا فوزية ...... صدقت والله فإلى الأمام دائماً

    ردحذف
  4. نهى سلامه-مصر: 01-11-2009 15:28:29

    فتح الله عليك يا اختي الحبيبة
    لقد أثارت مقالتك معان كثيرة في نفوسنا

    ردحذف
  5. مصطفى البنا 01-11-2009 20:55:18

    جزاكى الله خير الجزاء
    وأعانكى الله على كل ما هو خير ومفيد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم
    وبارك الله فى قلمك وأفكارك ان شاء الله

    ردحذف
  6. أسماء أم إسلام- إسبانيا: 01-11-2009 22:31:35


    بارك الله فيك أختي فوزية موضوع في غاية الروعة جعل الله لك ما تكتبينه نورا يتلألأ في ميزان حسناتك إلى الأمام أختي و إلى المزيد بإذن الله

    ردحذف
  7. المنجي الفطناسي 02-11-2009 18:00:53


    وأنا اعيد قراءة مقالك المميز والتعليقات المنصفة والمثنية على جهدك الطيب تذكرت دموع التماسيح
    وهي صفة تطلق على من تنزل دموعه بسرعة خداعا لغيره.

    ردحذف
  8. عبدالحميد العدّاسي- الدانمارك: 02-11-2009 20:48:16


    موضوع جيّد يا فوزية فبارك الله فيك وزادك حرصا على الخير... وسبحان الذي جاور بين الدمعة والبسمة... وسبحان من أحضرهما في ذات المشهد... ولنا مثل تونسي يقول: "الضحكة تحضر على راس الميّت"...

    جعلك الله من الفائزين يا فوزية

    ردحذف
  9. mariam.abla- Ilatiy 02-11-2009 22:25:13


    baraka allaho biki wa bi johodaki altaeba

    ردحذف
  10. ام شبماء- مصر: 03-11-2009 17:16:50

    بارك الله فيك اختى الحبيبه الغاليه علي قلبي فوزيه فكما عودتني دائما موضوعاتك رائعه ومفيدة زادك الله من علمه وافاض عليك من الخير والسعاده ودموع الفرح من لقاء الاحبه بعد غياب

    ردحذف
  11. شيماء سعيد 03-11-2009 17:24:15


    الله*الله

    من الابتسامات الى الدموع سلمت يمناكى وجعلكى الله دائما فى سما التقدم
    اسال الله ان يوفقك وان يبعد عنك الدموع وان تكون دائما دموع الفرح
    والى الامام دائما

    ردحذف
  12. ام شهد- مصر: 03-11-2009 18:49:22


    دائما ما تتحفينا بمواضيعك ومقالاتك المميزة

    ربنا يسعدك حبيبتى

    ردحذف
  13. فادية سواس 08-11-2009 21:48:07


    بارك الله فيك وزادك علما
    لقد أحسست بوقع الكلمات في قلبي ووصلتني في الوقت المناسب
    جزاك الله عني كل خير

    ردحذف
  14. أم عبدالرحمن 17-11-2009 06:56:01

    موضوع رائع جدا لقد لمستي عندنا الوتر الحساس فهذا الموضوع بالذات دخل الى القلب فبارك الله فيكي وفي اهلك وفي انتظار عودتك الى بلدنا قريبا ودائما الى الامام والتقدم

    ردحذف
  15. ولحن الحياة بداية ونهاية،، بسمة ودمعة،، فلا تفرح كثيرا،، ولا تحزن كثيرا

    فإذا أصابك أحدهما فنصيبك من الآخرآت مع صفحات القدر.!

    أجد نفسي بين جنبات هذا الموضوع وقد فاضت دموع العين مني بما كتبتي يا فوزيه هانم ....

    وما اكثر دمع العين هذه الايام يسكب على حالنا الذي لا يخفى على أحد .... تراها هي الحياة ......؟؟؟؟

    ردحذف
  16. بنت غزة المجروحة 07-10-2010 16:58:33

    جازاكم الله كل خير

    تسلمو ع هالكلام

    حلوة كتير

    ردحذف